معرفة القرآن سلسلة مصابیح الحکمة (22)

مقدمة الناشر

من أهم المسائل المطروحة الیوم، معرفة جذور أزمات الجیل الشاب. ربّما یکون انعدام الهدوء و[راحة البال] هی أکبر أزمة تعترض الناس سواء کانوا شیباً أو شبّاناً، فجمیع الناس یحاولون الوصول إلی هذه الحالة بتمام وجودهم. 

أهم عامل وراء عدم الهدوء هذا، هو روح الإنسان الباحثة الّتی وضعها الله تعالی فی فطرة الإنسان ولذلک یسعی جمیع الناس للبحث عن هذا الجمال. 

وأهم عاملٍ لإیجاد راحة البال عند الإنسان هو معرفة الله والارتباط به. ولأجل حصول هذه المعرفة، وفی هذا العالم الملیئ بالأفکار المتناقضة، یحتاج الإنسان إلی أطر فکریة منسجمة لیتمکّن من سدّ حاجاته الفکریة علی أساسها والحصول علی إجاباتٍ لأسئلته الباطنیة. 

إنّ مطالعة مؤلّفات الشهید المطهری، تفتح المجال أمام الإنسان لتأسیس مبنی فکری واستدلالی ومنطقی یقنع العقل ویرضی القلب. وعلی أساس هذه المبانی والأطر الفکریة، یستطیع الإنسان أن یحصل بسهولة علی إجابات لأسألته الّتی تشغل فکره. ومن الطبیعی أن لا یشغل السؤال حیّزاً فکریاً بعد الحصول علی الجواب، ونحن نسمّی هذه الحالة بالإطار الفکری. 

وقبل تحصیل الإطار الفکری، فإنّ الشهید المطهری یمنح الفکر والعقل انسجاماً ووحدة فکریة. إنّ الوحدة الفکریة هی الأمر الّذی یمهّد الأرضیة من أجل حل التناقضات الباطنیة للإنسان ویزیلها. 

المقصود من الوحدة الفکریة هو أنّ الشهید المطهری وعلی أساس تفکیره ومطالعته للقرآن الکریم والفلسفة الإسلامیة وصل إلی هذه النتیجة وهی أنّ الإسلام حقیقة واحدة. هذه الحقیقة الواحدة تحتوی علی أجزاء مترابطة، بحیث لا یمکن تفکیک أیّ جزء من هذه المجموعة عن بعضها. إذا فککتم جزءاً من هذه المجموعة، من الممکن أن تتعرّض الأجزاء الأخری لضربة توازی أهمیة هذا الجزء المنفک. 

یعتقد الشهید أنّ الفکر الإسلامی یشکّل نظاماً وإذا قمنا بتبدیل أحد أجزاءه بشیء آخر، یُصاب جمیع هذا النظام بالخلل، یمکن مشاهدة هذه الخصیصة فی جسم الإنسان والصناعات المختلفة بشکلٍ واضح. 

هذا أهم رمز موجود فی مؤلّفات الشهید المطهری وهو ما یمیز فکره عن سائر الأشخاص. 

ومن أجل التعرّف علی أفکار هذا العالم الجلیل، ووفق الاقتراح المقدّم من جناب الأستاذ السید علی هاشم دامت توفیقاته یجری العمل علی ترجمة مجموعة مصابیح الحکمة (چلچراغ حکمت) والّتی تمّ إعدادها بواسطة علماء ومفکرین إسلامیین فی نادی "اندیشه جوان" (الفکر الشاب) وبإشراف الأستاذ خسروبناه لتُعرض للشباب فی العالم الإسلامی. 

ویمکن فهم ضرورة التعامل مع أفکار الشهید مطهری بالنحو المذکور فی مجموعة مصابیح الحکمة (چلچراغ حکمت) بشکلٍ جیدٍ من کلام الامام السید علی الخامنئی (دام ظله): 

"یجب أن یکون هناک عمل فکری علی أفکار الشهید مطهری؛ یعنی أن یجلس مجموعة من الباحثین والمهتمین بالعمل العلمی ویستخرجوا آراء وأفکار الشهید مطهری فی فصول مختلفة. علی سبیل المثال، استخراج رأی الشهید من مؤلفاته فی مواضیع مثل الوجود، والإنسان، والإرادة الحرة، والعدالة، والتاریخ، والقدر والمصیر، والتصوف وکذلک حول الموضوعات الأخری المتنوعة التی لا تعد ولا تحصی والّتی نجدها مطروحة فی مؤلفاته. وهذا هو طریق التوسع والتقدم والازدهار الفکری للمجتمع بناء علی مؤلّفات الشهید مطهری، حیث نأمل أن یتم هذا العمل".

مشروع مصابیح الحکمة

إن الجیل الشابّ جیل باحث عن الحقیقة، یسعی وراء المعرفة وتعزیز معلوماته ومعتقداته الدینیة، لیصل من خلال ذلک إلی رؤیة شاملة حول المسائل الفکریة، والثّقافیة والاجتماعیة. ولهذا یبحث فی المصادر المختلفة لکن تعطّشه للمعرفة أکثر یجرّه إلی البحث أکثر وبشکلٍ أعمق، لیتمکن من تنظیم هندسته الفکریة من خلال العقائد الأصیلة.

ومن بین المؤلفات ومیراث الفکر الإسلامی الفاخر، یُمکن لمؤلفات الأستاذ العلامة الشهید مرتضی مطهری أن تُرشدنا إلی مسار آمن من خلال تقدیمها إطارًا فکریًا شاملًا، ومتوازنًا، وسالمًا، وعقلائیًا وبنّاءً. فمن ممیزات فکر العلامة الشهید التی ساعدت فی استمراریتها ووضوحها هی الأصالة، والإبداع، والإنصاف، والإتقان، والسلاسة، إنسیابیة النصوص، والاستجابة لمتطلبات الزمن، وتقدیم منظومة فکریة مترابطة، والنقد المنصف والدفاع الحاسم عن مواقفه الفکریة، مما یُلزم الجیل الشاب والجامعة العلمیة لمطالعة آراءه وأفکاره والتعرف علیها، وحفظ میراثه المکتوب.

وتلبیةً لطلب الجیل الحدیث ورغباته، وبهدف ربطهم بأفکار الأستاذ مطهری، قام نادی "اندیشه جوان" (الفکر الشاب) بإعداد سلسلة "مصابیح الحکمة" فی أربعین کُتیّب بالاستناد إلی کافة المؤلفات المطبوعة للأستاذ.

فی هذه السلسلة الموضوعیة، بذلنا وسعنا حتی:

1. یُعالج کل کتاب موضوعًا مستقلًا؛

2. یکون الأساس هو الاختیار الأفضل، وأن یتم تلخیص وجهات نظر الأستاذ بشکلٍ موضوعی من کافة المؤلفات والمدونات المطبوعة؛

3. یقتصر تدخّل الکاتب علی تجمیع المحتوی، و اقتباسه، وتلخیصه، وتلفیقه وتنظیمه، وذلک ضمن هیکلیة محددة وبتقسیم جدید وجذاب؛

4. تکون مراعاة الأمانة وحفظ أصالة الأستاذ مطهری وأسلوب بیانه المحور فی کتابة کل جزء؛

5. یوثّق المحتوی بالکامل ویُرجی إلی مؤلفات الشهید مطهری المکتوبة لکی یکون متقنًا ومستندًا، ویُکتب فی الهامش (م.آ) لمؤلفات الأستاذ المطبوعة، (یا) للمدونات أو الاسم الکتاب إن کان مطبوعًا بشکل مستقل؛

6. تُضاف شروحات الکاتب بشکلٍ منفصل عن النص فی المقدمة أو عقب النص.

إن سلسلة "مصابیح الحکمة" هی مجرد جسر لدخول واحة أفکار الأستاذ الشهید مطهری الخضراء. وبلا شک، فإن القارئ الشاب الباحث، لا یستغنی بقراءة هذه السلسلة عن قراءة مؤلفات الأستاذ، بل یعتبرها وسیلة لترغیبه وأنسه أکثر بمؤلفات الأستاذ.

ونشکر المساعی الأولی فی تخطیط عناوین هذه السلسلة وفصولها وأیضًا متابعات والإشراف المستمر لأعضاء اللجنة العلمیة لسلسلة مصابیح الحکمة أی السادة "عبد الحسین خسرو بناه"، و"حمید رضا شاکرین"، و "محمد علی داعی نجاد" و "علی ذوعلم" و "محمد باقر بورامینی" (المحرر العلمی) وأیضًا جهود المدیر التنفیذی للمشروع السید "عباس رضوانی نسب" وزمیلیه السید "رضا مصطفوی" (رئیس التحریر) و"میکائیل نوری".

الکتاب الموجود بین أیدیکم کتاب "معرفة القرآن" الجزء الثانی و العشرون من مجموعة "مصابیح الحکمة"، تمّ إعداده بمساعی المحقق الکریم السید علی نصیری وبإشراف علمیّ من السید داعی نجاد. ومع خالص الشکر لجمیع من ساهموا وساعدوا فی إعداد هذه المجموعة، کما نُرحّب بآراء القرّاء الأعزّاء وانتقاداتهم، ونأمل أن تکون هذه السلسلة مفیدة فی صدد زیادة معرفة وفکر الجیل الشاب وأنسه بآراء وأفکار الأستاذ العذبة.

نادی "اندیشه جوان" (الفکر الشاب)

تعریف کتاب "معرفة القرآن" المجلد الثانی و العشرون من سلسلة مصابیح الحکمة للشهید مطهری(ره)

فی السنوات المئة الأخیرة ظهر فی إیران، فی مختلف مجالات العلوم، والثقافة والفن علماء مثقفون واعون بالمسؤولیة، ذابوا کالشمع لإضفاء نور علی أفکار الناس. أشخاص، کانت قلوبهم تنبض لأجل سمو الناس العلمی والمعنوی، وتمنوا المجد والعظمة لإیران الإسلامیة. لم یتوانوا للحظة ولم یتباطؤوا فی سبیل تحقیق أهدافهم ولم ینوؤوا من الآلام بتاتًا ولم یتراجعوا عند مواجهة المصاعب والمطبات وناکری الجمیل.

ولطالما کانوا علی قید الحیاة، علّموا الآخرین العزم، والأمل والجهود الحثیثة بنظراتهم، وأنفاسهم ودعواتهم بالخیر لهم. وعندما فارقت أرواحهم هذه الدنیا، کانت أفکارهم وعلومهم تلمع کالنجوم فی اللیل الحالک لتهدی الضالّین. وفی هذا البین، لا بدّ من أن نذکر من بین هؤلاء العلماء بشکلٍ خاص، الذین وقفوا حیاتهم لفهم الدین وتفهیمه ونشر تعالیم القرآن والسنة السامیة وتبیینها، وهدوا القلوب کخضر النبی، بأسلوب إلهی ومعنوی، نحو الخیر والصلاح، وحملوا درع «العلماء الربانیین». خاصة أولئک الذین تاجروا بأرواحهم مع الله ونالوا فیض الشهادة، لیزیدوا من افتخاراتهم.

لقد أُعدّ هذا الکُتیب لأجل دراسة الأفکار القرآنیة لأحد العلماء الأجلاء، أی الشهید آیة الله مطهری (ره)، وقد کان ممن اتّصفوا بجمیع هذه الصفات السامیة ونال فخرها جمیعًا.

لقد کان للشهید مطهری مزایا جدیرة بالثناء، نذکر منها:

1.سلامة النفس، وطهارة الروح وعفّتها؛ حیث یقول أستاذه التقی أی الإمام الخمینی(ره) عن طهارة نفس الشهید مطهری: لقد کان فی صفاء روحه، وقوة إیمانه، وبلاغة بیانه، نادر النظیر. ویمکن إدراک سلامة نفس هذا الشهید وتقواه عند سماع خطبه المؤثرة وقراءة مؤلفاته وکتبه.

2. قدرته العلمیة والفکریة؛ وإنما یدلّ علی ذلک کثرة مواضیع آثار الأستاذ مطهری واتّساع مجالاتها. یقول العلامة الطبطبائی، والذی کان أیضًا أستاذًا للشهید مطهری، عندما کان مطهری یحضر جلسة الدرس کنتُ أفرح کثیرًا، مما یدل علی اتصافه بأفکار عمیقة وخاصة فی المسائل العلمیة المختلفة.

3.المطالعة والتتبع الواسع؛ فالشهید مطهری هو من المتفکرین القلال الذین لم یکتفوا بأقوال أساتذتهم أو أفکارهم الخاصة، بل لطالما کان لدیه مطالعات واسعة وعمیقة لأجل الحصول علی المعارف الحدیثة. وإن مدوّنات الأستاذ التی انتشرت بعد سنوات من استشهاده هی خیر دلیل علی ذلک.

4.الدقة فی الوقت وتحمّل المسؤولیة؛ فلقد کان الشهید مطهری عالمًا بزمنه ومقتضیات عصره، خاصةً أنه کان حاضرًا فی مرحلة التحولات الفکریة السریعة فی العقود التی سبقت انتصار الثورة، فی مرکز التحولات أی فی جامعة طهران. إضافةً لذلک کان یعتبر نفسه مسؤولًا تجاه حاجات عصره وضروراته بحیث لم یکن یهدأ ویسکن للحظة ولم یخشَ خوض غمار الصعاب والخطر. فتحمّله المسؤولیة وتمتّعه بروح حماسیة وشجاعة أدی لأن یقف بوجه أمواج الأفکار الالتقاطیة العاتیة کسدٍّ حدیدیّ حتی انتهی به المطاف بأن یُضحّی بنفسه فی هذا الطریق.

5.قوة القلم وبلاغة التعبیر؛ بلا شک إذا سیزداد تأثیر العالم علی عامّة الناس إذا ما تمتّع بنعمتین عظیمتین وهما الأسلوب البلیغ والقلم القوی، خاصةً الجیل المتعلم منهم، وقد منّ الله سبحانه وتعالی بهاتین النعمتین علی الأستاذ الشهید. فقد تلقت مؤلفات الأستاذ وکتبه ومحاضراته فی زمن حیاته وشهادته إقبالًا واسعًا من مختلف الطبقات الاجتماعیة، وهذا خیر دلیل علی ذلک.

لقد نال الشهید مطهری فی زمن حیاته الملیء بالمطبات توفیق دراسة المسائل الدینیة فی المجالات المختلفة أعم من الفلسفة، والکلام، والفقه، والتاریخ، والسیرة والأخلاق والدراسات القرآنیة. وقد انتشرت دراساته القرآنیة بشکلٍ عام فی بعض مؤلفاته ککتاب الوحی والنبوة، وسلسلة (آشنایی با قرآن) (التعرف بالقرآن) وقسمًا من مطالب کتاب (رابطه متقابل ایران واسلام) (العلاقة المتقابلة بین إیران والإسلام). لقد سعی مؤلف هذا الکتاب لتصنیف أفکار الشهید القرآنیة وترتیبها ضمن فصول هذا الکتُیب، بهدف تعرّف الأبناء الواعین والمتعلمین علی هذا القسم من أفکار الشهید مطهری. وقد تمّ تقسیم مباحث هذا الکتُیب ضمن خمسة فصول.

فی الفصل الأول، والذی یحمل عنوان «جاذبیة القرآن الفریدة»، تم التطرق إلی جذابیة القرآن التی لا نظیر لها والفریدة من نوعها من وجهة نظر الأستاذ الشهید.

وفی الفصل الثانی، والذی یحمل عنوان «معرفة القرآن»، تم التطرّق إلی آراء الشهید مطهری فی هذا الصدد وفق ثلاث محاور: إمکانیة معرفة القرآن، شروط المعرفة وأنواعها. وخلال هذا الفصل تم تصنیف معرفة القرآن إلی معرفة مصدریة، وتحلیلیة وجذریة، وهذا التصنیف هو من إبداعات الشهید.

الفصل الثالث والذی یحمل عنوان «خصائص القرآن» یُعالج ثلاث خصال: جاذبیة القرآن وحلاوته الخاصّة، إحیاء القرآن وبناءه للحضارة، القرآن کتاب عالمی خالد وذلک من وجهة نظر الشهید مطهری.

وأما فی الفصل الرابع الذی یحمل عنوان «إعجاز القرآن»، تم التطرق فی البدایة إلی آراء الشهید حول مفهوم الإعجاز، ثم بیان خمسة أوجه من وجوه إعجاز القرآن، وهی: الإعجاز البیانی، والإعجاز المعارفی، والإعجاز العلمی، والإعجاز التشریعی، والإعجاز الأخلاقی.

وفی الفصل الخامس والأخیر عرّجنا علی دراسة مبانی فهم القرآن وتفسیره من وجهة نظر الشهید مطهری. وقد تم تصنیف آراء الشهید مطهری فی هذا الفصل ضمن ثلاثة محاور وهی: مراتب معانی القرآن، وضرورة الاستفادة من الآیات والروایات فی التفسیر، وضرورة الامتناع عن التفسیر بالرأی. کما ذکرنا خلال هذا الفصل أیضًا نماذج من الزلل فی التفسیر لدی أصحاب الأفکار الالتقاطیة.

ففی عصر الشهید مطهری کانت التیارات الالتقاطیة تلجأ لتفسیر القرآن بالرأی للدفاع عن أفکارها، وبالتالی وقعت فی مزالق تفسیریة کبیرة، ولهذا بیّن سماحة الأستاذ الشهید أخطاءهم التفسیریة مرارًا وحذّرهم منها.

أشکر الله الفیّاض لأجل توفیقه إیای فی إنهاء هذا الکتاب، وأتوجه بالشکر أیضًا لجمیع من ساهموا فی طباعة هذا الکتاب، وآمل أن یفتح بابًا للمخاطبین الأعزاء، خاصة فئة الشباب، للتعرف علی أفکار الأستاذ الشهید مطهری القرآنیة، وأن یزید من معرفتنا بمقام هذا الکتاب السماوی العالی، معجزة الإسلام الخالدة، وأن یعزز من روح تحمّل المسؤولیة وعدم الشعور بالکلل والملل فی الدفاع عن حریم القرآن وأهل البیت (ع) کما کان دأب الأستاذ الورع.